السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
بسم الله الرحمن الرحيم
:::سيرة الإمام الزاهد مُعتزِل الفتن:::
هو إمام من أئمة المسلمين .
آتاه الله العلم ، فأخذ منه بِـحـظٍّ وافـر .
ولذا لما أطلّت الفتنة بقرونها ولاّها ظهره واعتزلها ، رغبة فيما عند الله ، وطمعاً في سلعة الله الغالية .
هو مِن صغار الصحابة رضي الله عنهم ، ومع ذلك صار عالماً من علماء الصحابة يُشار إليه بالبنان .
إن تكلّم سُمِع كلامه ، وإن أفتى أُخِذ بقوله ، وإن قال صدق .
فلله درّه .
هو صحابي وابن صحابي رضي الله عنه وعن أبيه .
وكفى بصحبة خير البشر وسيد ولد آدم فخراً ورفعة .
مالت الدنيا بأقرانه ولم يمل مع مَن مال .
فمَـن هـو هذا العَالِم العَلَم ؟
اسمـه : عبد الله
وكنيته : أبو عبد الرحمن
هو :
عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل رضي الله عنهما .
قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله :
الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المكي ثم المدني .
أسلم
وهو صغير ثم هاجر مع أبيه لم يحتلم واستُصغِر يوم أحد ، فأولّ غزواته
الخندق ، وهو ممن بايع تحت الشجرة ، وأمه وأمّ أم المؤمنين حفصة زينب بنت
مظعون ، أخت عثمان بن مظعون الجمحي .
وقال :
روى
علما كثيراً نافعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن أبيه وأبي بكر
وعثمان وعلي وبلال وصهيب وعامر بن ربيعة وزيد بن ثابت وزيد عمه وسعد وابن
مسعود وعثمان بن طلحة وأسلم وحفصة أخته وعائشة وغيرهم . انتهى .
روى عنه خلق كثير .
وهو
أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية ، وأحد العبادلة الأربعة ، وثانيهم
ابن عباس ، وثالثهم عبد الله بن عمرو بن العاص ، ورابعهم عبد الله بن
الزبير .
جهاده :
كان مُجاهداً منذ نعومة أظفاره .
قال
ابن عمر رضي الله عنهما : عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في
القتال ، وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فلم يُجزني ، وعرضني يوم الخندق وأنا بن
خمس عشرة سنة ، فأجازني . رواه البخاري ومسلم .
وشهِد فتح مكة وله عشرون سنة .
وقدِم الشام والعراق والبصرة وفارِس غازياً .
وشهِد فتح مصر .
روى حجاج بن أرطاة عن نافع أن ابن عمر بارز رجلاً في قتال أهل العراق ، فقتله ، وأخذ سَلَبه .
عبادته :
كان رضي الله عنه عابداً كثير العبادة
قال
ابن عمر رضي الله عنهما : كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا
رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتمنيت أن أرى رؤيا
فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت غلاماً شاباً ، وكنت أنام
في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيت في النوم كأن
ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطوية كطيّ البئر ، وإذا لها
قرنان ، وإذا فيها أناس قد عرفتهم ، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار .
قال : فلقينا مَلَك آخر فقال لي : لم ترع ، فقصصتها على حفصة ، فقصّتها
حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : نِعْمَ الرجل عبد الله لو
كان يصلي من الليل . فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا . رواه البخاري
ومسلم .
قال حبيب بن الشهيد : قيل لنافع : ما كان يصنع ابن عمر في منزله ؟ قال : لا تطيقونه ؛ الوضوء لكل صلاة ، والمصحف فيما بينهما .
وقال نافع : كان ابن عمر لا يصوم في السفر ، ولا يكاد يفطر في الحضر .
زُهده :
كان رضي الله عنه زاهداً مُعرضاً عن الدنيا والافتتان بها .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .
وقال : لقد رأيتنا ونحن متوافرون ، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من ابن عمر .
وقال حذيفة رضي الله عنه : ما مِنّـا أحد يُفتش إلا يُفتش عن جائفة أو منقلة إلا عمر وابنه .
( والجائفة هي الطعنة الواصلة للجوف ، والـمُنَقِّلـة وهي ما توضّح العظم وتهشمه ) قال ذلك كناية عن المعائب .
وقال جابر رضي الله عنه : ما منا أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به إلا ابن عمر .
وقالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر .
وقال ميمون بن مهران : دخلت على ابن عمر فقوّمت كل شيء في بيته من أثاث ما يسوى مئة درهم !
وقال مولاه نافع : إنْ كان ابن عمر ليفرّق في المجلس ثلاثين ألفا ، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة لحم .
اتِّـباعـه للسنة :
كان ابن عمر رضي الله عنهما مِن أكثر الناس اتّباعاً للسنة رضي الله عنه .
وكان شديد الاستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم
ولذا
لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو تركنا هذا الباب للنساء . قال
نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات . رواه أبو داود .
ومن ذلك
ما
رواه مسلم عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول : لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها .
قال فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن . قال : فأقبل عليه عبد الله
فسبّـه سـبّـاً سيئا ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وتقول : والله لنمنعهن ؟
رقّـة ابن عمر رضي الله عنهما :
قال
نافع : كان ابن عمر إذا قرأ : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن
تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) بكى حتى يغلبه البكاء .
وروى عاصم بن محمد العمري عن أبيه قال : ما سمعت ابن عمر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى .
وقال يوسف بن ماهك : رأيت ابن عمر عند عبيد بن عمير ، وعبيد يقصّ ، فرأيت ابن عمر ودموعه تهراق .
و
عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه أنه تلا : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا
مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ ) فجعل ابن عمر يبكي حتى لثقت لحيته وجيبه من
دموعه ، فأراد رجل أن يقول لأبي : أقصر فقد آذيت الشيخ .
اعتزاله الفتن :
كتب
الحجاج إلى ابن عمر : بلغني أنك طلبت الخلافة ، وإنها لا تصلح لعيي ولا
بخيل ولا غيور . فكتب إليه : أما ما ذكرت من الخلافة فما طلبتها وما هي من
بالي ، وأما ما ذكرت من العي فمن جمع كتاب الله فليس بعيي ، ومن أدى زكاته
فليس ببخيل ، وإن أحق ما غرت فيه ولدي أن يشركني فيه غيري !
لما أُريد ابن عمر على الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه أبـى ، وهرب على مكة فرضي الله عنه .
قال
حبيب بن أبي ثابت أن ابن عمر قال يوم دومة جندل : جاء معاوية على بختي
عظيم طويل فقال : ومن الذي يطمع في هذا الأمر ويمدّ إليه عنقه ، قال ابن
عمر : فما حدّثت نفسي بالدنيا إلا يومئذ ، هممت أن أقول : يطمع فيه من ضربك
وأباك عليه ، ثم ذكرت الجنة ونعيمها فأعرضت عنه .
قال
ابن عمر رضي الله عنهما : دخلت على حفصة ونوساتها تنطف فقلت : قد كان من
الناس ما ترين ، ولم يُجعل لي من الأمر شيء . قالت : فالحق بهم ، فإنهم
ينتظرونك وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فُرقة ، فلم يرعه حتى ذهب قال :
فلما تفرق الحكمان خطب معاوية فقال : من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر
فليطلع إليّ قرنه ! فنحن أحق بذلك منه ومن أبيه . يُعرّض بابن عمر !
فقال
له حبيب بن مسلمة : فهلا أجبته فداك أبي وأمي ؟ فقال ابن عمر : حللت حبوتي
فهممت أن أقول : أحق بذلك منك من قاتلك وأباك على الإسلام ، فخشيت أن أقول
كلمة تفرّق الجمع ، ويسفك فيها الدم ، فذكرت ما أعد الله في الجنان . رواه
البخاري .
وقال
سلام بن مسكين : سمعت الحسن يقول : لما كان من أمر الناس ما كان زمن
الفتنة أتوا ابن عمر فقالوا : أنت سيد الناس وابن سيدهم ، والناس بك راضون ،
اخرج نبايعك . فقال : لا والله لا يُهراق فيّ محجمة من دم ، ولا في سببي
ما كان فيّ روح .
إمامته رضي الله عنه :
يدلّ على إمامته هذه القصة :
لما ابتنى معاوية بالأبطَح مجلسا جلس عليه ومعه ابنه قُرَظَة ، فإذا هو بجماعة على رحال لهم ، وإذا شاب منهم قد رفع عقيرته يتغنى :
من يساجلني يساجل ما جداً *** يملأ الدلـو إلى عقد الكُرب
قال : من هذا ؟
قالوا : عبدالله بن جعفر .
قال : خلُّوا لـه الطريق .
ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يتغنى :
بينما يذكرنني أبصرنني *** عند قِيد الميل يسعى بي الأغر
قلن تعرفن الفتى ؟ قلن : نعم *** قد عرفناه وهل يخفى القمر ؟
قال : من هذا ؟
قالوا : عمر بن أبي ربيعة .
قال : خلُّوا لـه الطريق فليذهب .
قال
: ثم إذا هو بجماعة وإذا فيهم رجل يُسأل ، فيقال لـه : رميت قبل أن أحلق ؟
وحلقت قبل أن أرمي ؟ في أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج ، فقال : من هذا ؟
قالوا : عبد الله بنُ عمر ، فالتَفَتَ إلى ابنه قُرَظَة وقال : هذا الشرف . هذا والله شرف الدنيا والآخرة .
قال الإمام مالك : كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر ، مكث ستين سنة يُفتي الناس .
شِدّته في الحق :
حدّث
إسحاق بن سعيد بن عمرو الأموي عن أبيه عن ابن عمر أنه قام إلى الحجاج وهو
يخطب فقال : يا عدو الله استُحلّ حرم الله ، وخرب بيت الله . فقال : يا
شيخا قد خرّف ، فلما صدر الناس أمر الحجاج بعض مسوّدته فأخذ حربة مسمومة
وضرب بها رجل ابن عمر ، فمرض ومات منها ، ودخل عليه الحجاج عائداً ، فسلم
فلم يرد عليه ، وكلّمه ، فلم يُجبه .
وروى
ابن سيرين أن الحجاج خطب فقال : إن ابن الزبير بدّل كلام الله ، فعلم ابن
عمر فقال : كذب ! لم يكن ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله ولا أنت .
قال الحجاج : إنك شيخ قد خرّفت الغد ! قال ابن عمر : أما إنك لو عدتَ عدتُ .
وفاته رضي الله عنه :
توفي رضي الله عنه سنة ثلاث وسبعين من الهجرة .
وهو ابن خمس وثمانين سنة .
فرضي الله عنه وأرضاه .