ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ
الشَّيْطَانُ مِــنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا
وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَـن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّـن رَّبِّهِ
فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَـــــنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي
الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُــواْ
وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُــــــمْ
أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِـــــمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ،
يَا أَيُّهَا الَّذِيـــنَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا
إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ
وَرَسُــولِــــهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ
وَلاَ تُظْلَمُونَ ، وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَــى مَيْسَرَةٍ
وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، وَاتَّقُـــواْ يَوْماً
تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ
وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) سورة البقرة 275 - 281
يخبـر تعالى عن أكلة الربا وسوء مآلهم وشدة منقلبهم ،
أنهم لا يقومون من قبورهم ليوم نشورهم ( إِلاَّ كَمَا يَقُومُ
الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) أي: يصرعه الشيطان
بالجنون فيقومون من قبورهم حيارى سكارى مضطربين
متوقعين لعظيم النكال وعسر الوبال، فكما تقلبت عقولهم
و (قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) وهذا لا يكون إلا من جاهل
عظيم جهله ، أو متجاهل عظيم عناده ، جازاهم الله من
جنس أحوالهم فصارت أحوالهم أحوال المجانين .
ويحتمل أن يكــون قــولـه ( لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي
يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) أنـه لما انسلبت عقولهم في
طلب المكاسب الربوية خفت أحلامهم وضعفت آراؤهم ،
وصاروا فـــي هيئتهم وحركاتهم يشبهون المجانين فــي
عدم انتظامها وانسلاخ العقل الأدبي عنهم قال الله تعالى
رادا عليهــم ومبينا حكمته العظيمة ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ )
أي: لما فيه من عموم المصلحة وشدة الحاجة وحصول
الضرر بتحريمه ، وهــذا أصــل فــي حـل جميـــع أنواع
التصرفات الكسبية حتى يرد ما يدل على المنع ( وَحَرَّمَ
الرِّبَا ) لما فيه من الظلم وسوء العاقبة
والربا نوعان : ربا نسيئة كبيع الربا بمـــا يشاركه فــــي
العلة نسيئة ، ومنه جعل ما في الذمة رأس مال ، سلم ،
وربا فضل، وهو بيع ما يجري فيه الربا بجنسه متفاضلا
وكلاهما محرم بالكتاب والسنة ، والإجماع عـــلـــى ربا
النسيئة ، وشذ مــن أباح ربا الفضل وخالف النصوص
المستفيضة ، بل الربا من كبائر الذنوب وموبقاتها
(فَمَـن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ) أي : وعظ وتذكير وترهيب
عـن تعاطي الربا عــلى يد من قيضه الله لموعظته رحمة
مـن الله بالموعوظ ، وإقامة للحجة عليه ( فَانتَهَىَ ) عن
فعـله وانزجر عــن تعاطيه ( فَلَهُ مَا سَلَفَ ) أي : ما تقدم
مــــن المعاملات التي فعلها قبل أن تبلغه الموعظة جزاء
لقبوله للنصيحة ، دل مفهوم الآية أن من لم ينته جوزي
بالأول والآخر(وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ)في مجازاته وفيما يستقبل
مــن أموره ( وَمَنْ عَادَ ) إلــى تعاطي الربا ولــم تنفعـــه
الموعظة ، بل أصر على ذلك ( فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ ) اختلف العلماء رحمهم الله فـــي نصـوص
الوعيد التي ظاهرها تخليد أهل الكبائر مـن الذنوب التـي
دون الشرك بالله، والأحسن فيها أن يقال هــــــذه الأمور
التي رتب الله عليها الخلود في النار موجبات ومقتضيات
لذلك، ولكن الموجب إن لم يوجد ما يمنعه ترتب عليـــه
مقتضاه ، وقد علم بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة
أن التوحيد والإيمان مانع مـن الخلود في النار ، فلولا
ما مع الإنسان من التوحيد لصار عمله صالحا للخلود
فيها بقطع النظر عن كفره .
ثم قــال تعــــالى ( يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا ) أي : يذهبه ويذهب
بركته ذاتا ووصفا، فيكون سببا لوقوع الآفات فيه ونزع
البركة عنه، وإن أنفق منه لم يؤجر عليه بل يكون زادا
له إلى النار .
( وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ) أي : ينميها وينزل البركة في المال
الذي أخرجت منه وينمي أجر صاحبها وهـذا لأن الجزاء
مــن جنس العمل ، فــــإن المرابي قد ظلم الناس وأخذ
أموالهم عـلى وجه غير شرعي ، فجوزي بذهاب ماله ،
والمحسن إليهم بأنواع الإحسان ربه أكرم منه، فيحسن
عليه كما أحسن على عباده
( وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ ) لنعم الله ، لا يؤدي ما أوجـب
عليه من الصدقات، ولا يسلم منه ومـن شره عباد الله
( أَثِيمٍ ) أي : قد فعل ما هو سبب لإثمه وعقوبته .
لمــا ذكــر أكلة الربا وكـــان مـــن المعلوم أنهم لو كانوا
مؤمنين إيمانا ينفعهم لم يصدر منهم مــا صدر ذكر حالة
المؤمنين وأجرهم ، وخاطبهم بالإيمان ، ونهاهم عـــــن
أكل الربا إن كانوا مؤمنين ، وهؤلاء هــــم الذين يقبلون
موعظة ربهم وينقادون لأمره ، وأمرهم أن يتقوه ، ومن
جملة تقواه أن يذروا ما بقي مــن الربا أي : المعاملات
الحاضرة الموجودة ، وأمـا ما سلف ، فمن اتعظ عفا الله
عنه ما سلف ، وأما من لم ينزجر بموعظة الله ولم يقبل
نصيحته فإنه مشاق لربه محارب له وهو عاجز ضعيف
ليس له يدان في محاربة العزيز الحكيــــم الـــذي يمهل
للظالم ولا يهمله حتى إذا أخذه، أخذه أخذ عزيز مقتدر
( وَإِن تُبـــْتُـــمْ ) عن الربا ( فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ ) أي :
أنزلوا عليها ( لاَ تَظْلِمُونَ ) مـــن عاملتموه بأخذ الزيادة
التي هي الربا ( وَلاَ تُظْلَمُونَ ) بنقص رءوس أموالكم .
( وَإِن كَــانَ ) المدين ( ذُو عُسْرَةٍ ) لا يجد وفاء ( فَنَظِرَةٌ
إِلَى مَيْسَرَةٍ ) وهــذا واجب عليــه أن ينظره حتـــى يجــد
ما يوفي به ( وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )
إما بإسقاطها أو بعضها .
( وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُــمَّ تُوَفَّى كُــلُّ نَفْسٍ
مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) وهذه الآية من آخر مـا نزل
مـن القــــــرآن ، وجعلت خاتمة لهذه الأحكام والأوامر
والنواهي ، لأن فيها الوعد على الخير ، والوعيد عــلى
فعل الشر، وأن من علم أنه راجع إلى الله فمجازيه على
الصغــيــر والكبير والجلي والخفي ، وأن الله لا يظلمه
مثقال ذرة ، أوجب له الرغبة والرهبة ، وبدون حلول
العلم في ذلك في القلب لا سبيل إلى ذلك .
الكتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص 116)
للشيـــخ : عبد الرحمن السعـدي رحمه الله تعالى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
قال الشيخ محمد الحمد :
ابذر الصالحات ، وقم بالأعمال الزاكيات ، ولا تستبطئ
النتيجة ؛ فالعمل الصالح يؤتي أكله بإذن ربّه .