بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
قال شيخنا أبو الحسن في الجواهر السليمانية
هل الحديث المعنعن من قبيل المقبول أو من قبيل المردود ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
1- فمنهم من قال : إنه مردود مطلقًا .
2- ومنهم من قال : إنه مقبول مطلقًا .
3- ومنهم من فَصَّل - وهم الجمهور - فقالوا : إن الراوي إذا عنعن عن شيخه؛ قُبِلَ قولُه بشروط ثلاثة :
أ- العدالة في الرواية ، فتشمل العدالة في الدين والضبط .
ب- البراءة من التدليس .
ج- لقاء الراوي بشيخه (1).
وقد اتفق العلماء على الشرطين الأولَيْن ، واختلفوا في الثالث على أقوال :
1- فمنهم من اشترط طول الصحبة بين الراوي وشيخه ، وهذا قول أبي المظفر السمعاني .
2- ومنهم من اشترط أن يكون الراوي المعنعِن معروفًا بالرواية عن شيخه ، وهو قول أبي عمرو الداني.
3- ومنهم من اشترط ثبوت اللقاء ولو مرة واحدة ، وذكر بعضهم أن هذا مذهب ابن المديني ، والبخاري ، ونسبه ابن رجب إلى المحققين ، وذكر أقوالاً عن كثير منهم ، وبَيَّن أنها أخص من كلام ابن المديني ، والبخاري .
4- ومنهم من اكتفى بإمكان اللقاء ، وهو مذهب الإمام مسلم –رحمه الله – وحكى الإجماع عليه ، ولايُسلَّم له ذلك دعوى الإجماع (1) .
والذي يترجح لي : الأخذ بمذهب مسلم مالم يغمز إمام في السماع ، فيؤخذ بقوله عند ذاك ، وهو مذهب المحققين ، والله أعلم .
فإن قيل : إذا كانت العنعنة محمولة على الاتصال بالسماع ونحوه ، فلماذا لايقول الراوي : حدثني فلان ، أو سمعت فلان ، ونحو ذلك ؟
فالجواب : لقد أجاب على ذلك الخطيب – رحمه الله – في " الكفاية " (2) فقال : " إنما استجاز كَتَبَةُ الحديث الاقتصار على العنعنة ؛ لكثرة تكررها ، ولحاجتهم إلى كتْب الأحاديث المجملة بإسناد واحد ، فتكرار القول من المحدث : " حدثنا فلان " عن سماعه من فلان : يشق ويصْعُب ؛ لأن لوقال : أُحدِّثكم عن سماعي من فلان ، وروى فلان عن سماعه من فلان ، وفلان عن سماعه من فلان ، حتى يأتي على أسماء جميع مُسْنِدي الخبر ، إلى أن يُرفع إلى النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وفي كل حديث يَرِدُ مثل ذلك الإسناد ؛ لطال وأضجر ، وربما كثر رجال الإسناد حتى يبلغوا عشرة وزيادة على ذلك ، وفيه إضْرارٌ بكتَبة الحديث ، وخاصة المقلين منهم ، والحاملين لحديثهم في الأسفار ، ويَذْهب بذكر ما مثَّلْناه مدةٌ من الزمن ، فساغ لهم – لأجل هذه الضرورة – استعمال : " عن فلان " . . . . " اهـ .
●المسألة الثالثة : حالات العنعنة قبولاً وردًّا :
للعنعنة حالات تُقْبل فيها، وتكون محمولة على الاتصال ، وأخرى يُتَوقف فيها أو تُرَدُّ ، ومنها :
1- أن يثبت سماع الراوي من شيخه في رواية صحيحة ، أو يصرح إمام بأن الراوي سمع من شيخه ، فالعنعنة تكون في بقية حديثه محمولة على السماع ، مالم يكن مدلسًا .
2- أن يصرح إمام بعدم سماع الراوي من شيخه ، فالرواية المعنعنة هنا منقطعة، ولاتُقْبَل .
3- أن يثبت سماع التلميذ من الشيخ في بعض الأحاديث دون البعض الآخر ، ثم يروي التلميذ البعض الآخر بالعنعنة، موهمًا السماع من شيخه ، فهذه عنعنة مدلِّس، يُتَوقف فيها .
4- أن يمكن لقاء الراوي بشيخه مع براءته من التدليس ، وبراءته من طَعْنِ إمامٍ في سماعه من شيخه ، فالعنعنة هنا محمولة على الاتصال .
5- أن يمكن لقاء الراوي بشيخه مع براءة الراوي من التدليس ، لكن قد طعن إمام في سماعه من ذلك الشيخ ، فالرواية المعنعنة هنا يُتوقَّف فيها .
فإن قيل : إن هذه الحالة الأخيره إنما تكون فيها العنعنة من قبيل المنقطع؛ إذا كان الطاعن في السماع غير البخاري أو شيخه ابن المديني ، لأنهما يشترطان ثبوت اللقاء ؟
فالجواب: أن هذا القول لايُسَلَّم به ؛فإن مذهب البخاري وابن المديني هو مذهب المحققين ، وعلى هذا فإذا طَعَنَا في سماع راوٍ؛ فإنه يقبل منهما ، كما يُقْبل طعن بقية الأئمة .
وقد تقدم الكلام على هذه المسألة بتوسع في الحديث الصحيح ، والله أعلم .
منقول