مسلم بن الوليد من أبناء الأنصار وكان مداحاً محسناً وجل مدائحه في يزيد بن مزيد وداود بن مزيد المهلبي والبرامكة ولَّي في عهد المأمون بريد جرجان فلم يزل بها حتى مات عام 408هجرية وكان يلقب بصريع الغواني لبيت قاله . أحد الشعراء المفلقين، قال الشعر في صباه ولم يتجاوز به الأمراء والرؤساء مكتفيا بما يناله من قليل العطاء، ثم انقطع إلى يزيد بن مزيد الشيباني قائد هارون الرشيد الذي اتصل به فيما بعد ومدحه ومدح البرامكة وحسن رأيهم فيه. ولما أصبح الحل و العقد بيد ذي الرياستين الفضل بن سهل وزير المأمون في أول خلافته، قربه وأدناه وولاه أعمالا بجرجان، ثم الضياع بأصبهان.
مسلم بن الوليد: وأمره مشهور وشعره نحو مائتي ورقة على الحروف عمله الصولي ورجل كان في زماننا. وديوان مسلم أحد الدواوين التي وصلتنا، ومنه نسخة تحتفظ بها مكتبة ليدن، في (127) ورقة، تعود إلى القرن الخامس، أو السادس الهجري. ومنه نسخة في مكتبة قدور بحلب. وتشتمل بعض نسخه على شروح لأبي العباس الوليد بن عيسى بن حارث الطبيخي (ت 352هـ) وربما كان هو المقصود بقول ابن النديم: (ورجل كان في زماننا). ونشر هذا الديوان لأول مرة في ليدن سنة (1875م بتحقيق (دي خويه) ثم نشر عام (1957م) مع شرح الطبيخي بتحقيق سامي الدهان. (القاهرة: دار المعارف). وكان أخوه (سليمان الأعمى) شاعرا أيضا، وكان تلميذا لبشار بن برد ملازما له، توفي عام (170هـ) له ذكر في معظم كتب الأدب، وهو في بعضها (ابن مسلم) وذكره ابن النديم في هذه القائمة. ويذكر الصولي شعرا لخارجة ابن مسلم (أخبار الشعراء) (ص 253 - 254)
من جيد شعر مسلم بن الوليد قالها يمدح يزيد بن مزيد
مـوفٍ على مُهجٍ في يوم ذي رهجٍ كـأنه أجـلٌ يـسعى إلـى أملِ
يـنال بـالرفق مـايعيا الرجال به كـالموتِ مستعجلاً يأتي على مهلِ
لايـرحل الـناسُ إلى نحو حجرتِه كـالبيت يُضحى إليه مُلتقى السبلِ
يُـقري الـمنية أرواح الكماةُ كما يقري الضيوف شحوم الكومِ والبُزُلِ
يكسو السيوف رؤوس الناكثين به ويـجعلُ الـهام تيجان القنا الذُّبُلِ
قـد عـود الـطير عاداتٍوثقن بها فـهُنَّ يـتبعنه فـي كـلِ مرتحلِ
تـراه فـي الأمنِ في درعٍ مضاعفةٍ لا يأمن الدهرُ أن يُؤتى على عجلِ
لـله مـن هـاشمٍ في أرضه جبلٌ وانـت وابـنك ركنا ذلك الجبلِ
صـدَّقت ظنِّي وصدَّقت الظنون به وحط جودك عقد الرحلِ من جملي
ولد مسلم بن الوليد ونشأ في الكوفة ، وهو شاعر متقدم من الشعراء زمن الدولة العباسية ، وشهر بصريع الغواني لقوله :
وما العيش إلا أن تروح مع الصبا
وتغدو صريع الكأس والأعين النجل
وكان أول من أدخل البديع للشعر ، وسار على نهجه جماعة من الشعراء ، وأشهرهم فيه أبو تمام الطائي .
شرب مسلم بن الوليد مع الفضل بن يحيى البرمكي ، وكانت على رأسه وصيفة تسقيه كأنها لؤلؤة ، فلمح الفضل مسلما ينظر إليها ، فقال الفضل : قد ، وحياتي ، يا أبا الوليد ، أعجبتك ، فقل فيها أبياتا ، فانشد :
إن كنت تسقين غير الراح فاسقيني
كأسا ألذ بها من فيك تشفيني
عيناك راحي وريحاني حديثك لي
ولون خديك لون الورد يكفيني
إذا نهانيَ عن شرب الطِلا حرج
فخمر عينيك يغنيني ويجزيني
فقال له الفضل : خذها بورك الله لك فيها !!
خرج رسول عائشة بنت الخليفة المهدي ، وكانت شاعرة ، الى الشعراء ، وفيهم صريع الغواني ، فقال : تقرؤكم سيدتي السلام ن وتقول لكم : من اجاز هذا البيت فله مئة دينار ، فقالوا : هاته ! فانشدهم :
نيلي نولا وجودي لنا
فقد بلغت نفسي الترقوه
فقال مسلم بن الوليد :
وإني كالدلو في حبكم
هويت إذا انقطعت عرقوه *
مات زوجته فجزع عليها جزعا شديدا ، وعزم على التنسك مدة طويلة ، فاقسم عليه بعض أصدقائه ذات يوم أن يزورهم ، ففعل ، وأكلوا وقدموا له الشراب ، فامتنع ، وأنشأ يقول :
بكاء وكأس كيف يتفقان ِ
سبيلهما في القلب مختلفان ِ
دعاني وإفراط البكاء فإنني
أرى اليوم فيه غير ما تريان