(من ذا يكافئ زهرة فواحة.....أو من يثيب البلبل المترنما
يا صاحي خذ علم المحبة عنهما.....إني رأيت الحب علما قيما)
إيليا أبو ماضي
إن علماء النفس، والأطباء النفسيين، وعلماء الاجتماع، وعلماء الأجناس، والتربويين، يفترضون من خلال عدد لا يحصى من الدراسات والبحوث، أن
"الحب" : استجابة تعليمية، وعاطفة انفعالية تتعلم .
أن يتعلم الإنسان كيف يحب، أمر - على ما يبدو - مرتبط مباشرة بقابليته للتعلم من أولئك المقيمين في بيئته، الذين سيعلمونه العديد من أنماط الثقافة .
إن تكوين وعلاقات الأسرة، وممارسة الغزل، وشعائر الزواج، ومحاذير الجنس .. هذه جميعا تتغير وتختلف تبعا للبيئة التي يعيش فيها المرء.. إن الزيادة والكثرة الواضحة فى الطقوس القبلية، والتي تدخل في ممارسات الحب، والجنس، والزواج، والعلاقات الأسرية فى منطقة ما تفوق ما يحدث فى منطقة أخرى.
تلك الحقائق المتعلقة بآثار التعلم على السلوك، تقف بذاتها شاهدا ودليلا عند البيان وإصدار الأحكام.. ومع ذلك، فهي لا تفصح عن كثير، إذا ما طبقت على الحب، رغم أثرها الواضح على كثير من الناس في مجالات أخرى . ويمضى معظمنا فى سلوكه، كما لو أن الحب لا يتعلم، وكأنه مستقر في كيان كل إنسان، قابع في غفوة، ينتظر ببساطة إقبال سن معينة، غامضة الإدراك، لكي يصحو، وينطلق، ويتفجر . وينتظر الكثيرون هذه السن .. إلى آخر مدى العمر !
وهناك الذي يديرون ظهورهم للحب، إذ يعتبرونه من مكونات ثقافتنا الخيالية الهشة . وآخرون سيلصقون بالحب مسحة شعرية ويقولون لك : " الحب هو كل شئ "، " الحب هو نداء الطيور .. إنه التألق فى عيني فتاة شابة في ليلة صيف ".
وفريق، ممن يرتكز على خبرته الذاتية وحدها سيقول لنا : " الحب ارتباط عاطفي وثيق بشخص آخر .. " … الخ .
فى بعض الأحوال، سوف تجد أن الناس لا يطرحون موضوع الحب للمناقشة والبحث، ولم يفكروا فى ذلك، فضلا عن أنهم لا يكادون يهتمون بتعريفه وتوصيفه . بل إنهم سيعترضون بشدة على مجرد الاقتراح بالتفكير والنظر فيه . فى تقديرهم أن " الحب " خبرة تكتسب بالممارسة، ولا تستمد من التفكير الرصين، والنظرة الفاحصة .
ومع بعض التحفظ، فإن جميع هذه التقريرات تحمل قدرا من الصدق والصحة . لكننا لا نستطيع أن نلجأ إلى التبسيط، فندعى بأن واحدا منها هو الأشمل والأصوب، أو أنها جميعا تحيط إحاطة شاملة بالحب . ولذا، فإن كل إنسان يعيش الحب فى إطاره الضيق، غير مكترث بأن تقوقعه فيه، وما يجلبه عليه من اضطراب أو فشل، راجع إلى نقص معرفته عن الحب .
إنه إذا أراد أن يعرف شيئا عن السيارات مثلا، يدرس - بلا تردد - ما يتعلق بالسيارات فى جد ومثابرة - وإذا ما رغبت زوجته أن تصبح طاهية ممتازة، فهي بالتأكيد ستتعلم كيف تجيد فن الطهي، وربما التحقت بفصل من فصول تعليم هذا الفن . ومع ذلك، فإنه من المرجح، إذا أراد أن يعيش فى حب دائم، فإنه لن ينفق من جهده ووقته ما ينفقه فى تعلم ميكانيكا السيارات أو دراسة فن طهي الطعام . لن تجد طباخا ماهرا ولا ميكانيكي سيارات يقول لك : إنه بمجرد ظهور الرغبة عنده وإرادة تعلم هذا الفن أو ذاك، أصبح متفوقا فيه، محيطا بكل دقائقه وأجزائه .
فى مناقشة موضوع الحب، يحسن فى البداية أن نطرح بعض الفروض أو المقدمات:
- إن المرء لا يمكن أن يعطى مالا يملك.. فمن يملك الحب، يعطى الحب .
- إن المرء لا يمكن أن يعلم غيره ما يجهل.. فالذي يعلم ما هو الحب، يستطيع أن يعلم الحب .
- إن المرء لا يعرف جيدا مالم يدرسه جيدًا.. فلكي تدرس الحب جيدا، يجب أن تعيش الحب بإجادة .
- إن المرء لا يقدر قيمة مالا يفهم.. فلكي تفهم الحب، يجب أن تعيه جيدا، وتحسن تقبله .
- إن المرء لا يتطرق إليه الشك فيما يعزم على الثقة فيه.. فلكي تثق فى الحب، يجب أن تكون مقتنعا به .
- إن المرء لا يستسلم لما لا يرضى عنه.. ولكي ترضى عن الحب يلزم أن يكون لديك الاستعداد لتقبل الحب .
- إن المرء لا يكترث بما لا يشغل فيه وقته وجهده.. ولكي تهب نفسك للحب، عليك أن تحرص ألا تنمو إلا فى الحب .
يتبع في الردود ........................