لم تكن سوى امرأة من جنسنا ، نحمل وإياها
الصفات ذاتها ، لكنها تفوقت على سائر بنات
حواء بشجاعتها ، تلك الكلمة التي حذفت من قاموس نساء اليوم !!!
فلو رأت إحدانا حشرة تمشي على الأرض ،
أو طائراً يطير في السماء ، أو سمعت صوتاً أو
حركة لقفزت من شدة الفزع والله المستعان ، ولو رأت قطة
لصاحت وأعرضت عن المنام فضلاً عن سائر الحيوانات ؟!!
فكيف بمن جزت رأس يهودي وقذفت به بعيداً ،
ألا تستحق منا الوقوف على جانب من حياتها ؟!!
إنها صحابية جليلة أبوها جدُّ النبي صلى الله عليه
وسلم (عبدالمطلب بن هاشم) وأمها (هالة بنت وهب)
أخت آمنة بنت وهب والدة الرسول صلى الله عليه وسلم .
وزوجها الأول (الحارث بن حرب) أخو أبي سفيان بن حرب زعيم بني أمية ،
وقد توفى عنها .
وزوجها الثاني العوام بن خويلد أخو خديجة بنت خويلد
سيدة نساء العرب في الجاهلية ، وأولى أمهات المسلمين
في الإسلام ، وابنها الزبير بن العوام حوارى رسول الله .
سطر لها التاريخ بمداد من ذهب موقفها يوم الخندق .
فمن تكون تلك الصحابية التي يحسب لها الرجال ألف حساب ؟!!
من هي تلك المرأة التي انشأت للمسلمين أول فارس سل سيفاً في سبيل الله ؟!!
من تلك الصحابية التي كانت أول امرأة قتلت مشركاً في الإسلام ؟!!
إنها صفية بنت عبدالمطلب الهاشمية القرشية
عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لقد كان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
عزم على غزوة من الغزوات أن يضع النساء
والذراري في الحصون خشية أن يغدر بالمدينة غادر في غيبة حماتها ،
فلما كان يوم الخندق جعل نساءه وعمته وطائفة
من نساء المسلمين في حصن لحسان بن ثابت ،
وكان من أمنع الحصون في المدينة وأبعدها منالاً .
وبينما كان المسلمون يرابطون على حواف الخندق
في مواجهة قريش وأحلامها وقد شغلوا عن النساء
والذراري بمنازلة العدو ، أبصرت صفية بنت عبدالمطلب شبحاً يتحرك
في عتمة الفجر ، فأرهفت له السمع ، وأحدت إليه البصر ،
فإذا هو يهودي أقبل على الحصن ،
وجعل يطيف به متحسساً أخباره متجسساً على من فيه .
فأدركت أنه عين لبني قومه جاء ليعلم أفي الحصن
رجال يدافعون عمن فيه أم أنه لا يضم بين جدرانه غير النساء والأطفال !!!
فقالت في نفسها : إن يهود بني قريظة قد نفضوا
ما بينهم وبين رسول الله من عهد وظاهروا قريشاً
وأحلافها على المسلمين وليس بيننا وبينهم أحد من المسلمين يدافع عنا .
فإن استطاع عدو الله أن ينقل إلى قومه حقيقة
أمرنا سبى اليهود النساء واسترقوا الذراري وكانت الطامة على المسلمين .
عند ذلك بادرت إلى خمارها فلفته على رأسها ،
وعمدت إلى ثيابها فشدتها على وسطها ،
وأخذت عموداً على عاتقها ونزلت إلى باب الحصن فشقته
في أناه وحلم وجعلت ترقب من خلالها عدو الله في يقظة وحذر ،
حتى إذا أيقنت أنه غدا في موقف يمكنها منه حملت
عليه حملة حازمة صارمة ، وضربته بالعمود
على رأسه فطرحته أرضاً ، ثم عززت الضربة الأولى بثانية وثالثة
حتى أجهزت عليه وأخمدت أنفاسه بين جنبيه .
ثم بادرت إليه فاحتزت رأسه بسكين كانت معها ،
وقذفت بالرأس من أعلى الحصن فطفق يتدحرج
على سفوحه حتى استقر بين أيدي اليهود الذين كانوا يتربصون في أسفله ،
فلما رأى اليهود رأس صاحبهم قال بعضهم لبعض :
لقد علمنا أن محمدا لم يكن ليترك النساء والأطفال من غير حماة ثم عادوا أدراجهم .
فرضي الله عن صفية التي كان شعارها الذب عن
الدين ومحاربة أعداء الدين ، فلم يمنعها تخطيها
الستين عاماً أن تدافع عن ثغرة من ثغور الإسلام في حصن حصين.
لقد كان همها الأول إعلاء كلمة التوحيد ودحر
الشرك والمشركين مع تمسكها بحجابها الذي
هو مصدر عزتها ، فلم تتجه لقتل عدو الله وهي
متكشفة بل بادرت إلى خمارها فلفته على رأسها ،
وعمدت إلى ثيابها فشدتها على وسطها .
حتى في أحلك الساعات وأقسى الظروف حين بلغت
القلوب الحناجر لم تترك الصحابيات رضوان الله
عليهن التمسك بالحجاب لأنهن على يقين أنها عبادة ليست محصورة بمكان ولا زمان .